السبت، 14 مارس 2015

مطار

قبل عدد كبير جدًا من السنين ، و في صالة المغادرة في مطار ما .. أذكر تمامًا و بصورة واضحة كلوحة أنظر لها الآن منظر الزوجين ذوي الملامح الشرق أوروبية .. الزوج جالس على الأرض و ظهره متكئ على الحائط .. و زوجته ترقد بجانبه ، رأسها في حجره و يدها تمسك بيده ، و هي تغط في نوم عميق .. الإرهاق و التعب باديان عليهما .. ملابسهما قديمة و مجعدة .. ذقن الزوج نامية و مشعثة .. و حولهما تتناثر أمتعتهما البسيطة في بضعة أكياس .. المنظر بصورة عامة يوحي بالبؤس .. لكن نظرة سريعة لتعابير وجهيهما و ستعرف كم كنت مخطئًا .. حتى و أنا طفل استطعت أن أفهم تمامًا .. السلام التام المرتسم على وجهها و هي تنام على أرض الصالة الباردة محاطة بالغرباء و نداءات المغادرة و الوصول و الهمهة المنتظمة التي تميز الأماكن المزدحمة .. ذلك السلام الذي تجد تفسيره في نظرة الزوج و هو يمسك بيدها و يتأمل وجهها المستلقي على حجره و تلك الإبتسامة الخفيفة تعلو شفتيه .. عيناه المتعبتان المرهقتان تنطقان بتعبير لا يوصف .. لكنك فقط تعلم يقينًا إنه لن يسمح بأن يحدث لها شيء أبدًا .. و إنه رغم الأرضية الباردة و الملابس المجعدة و الضوضاء و رائحة التبغ فهما سعيدان .. حقًا سعيدان ..

لحظة

- ليس هناك مكان في العالم أرغب أن أكون فيه ، ولا شخص أرغب أن أكون معه ، سوى هنا و معَك .. كل ما أتمناه أن تستمر هذه اللحظة للأبد .. لماذا دائمًا تنتهي الأوقات الجيدة بسرعة ، و أين تذهب ؟
- إنها تنساب كمياه البحر داخل زجاجة شفافة ملقاة على الشاطئ .. فقط اللحظات الرائعة كهذه هي ما يدخل الزجاجة .. أما اللحظات العادية المملة فتبلل الشاطئ للحظات ثم تتشرّبها الرمال .. و عندما تمتلئ الزجاجة توضع في الرفّ الكوني العظيم حتى الحوجة ..
- و فيم نحتاجها ؟
- و من أين تظنين النجوم تأتي بضوئها !؟ قبلة حقيقية واحدة تكفي لتتوهج ألف نجمة لألف عام ..
- و لم لا نبقى هنا فقط .. نمسك بهذه اللحظة النادرة .. حيث لا خوف و لا ألم .. السعادة المطلقة التي لم أحلم بها من قبل .. لم لا نستطيع الهروب من الزمن .. ألا تتركنا الحياة في حالنا إن تخلينا عنها ؟ ألا تتواطؤ معنا و تغضّ الطرف عن فرحتنا الصغيرة هذه ؟ أم ستعاقبنا كما تعاقب كل من يجرؤ على الحب ؟
- لا أدري ما سيحدث .. لكني لست خائفا .. في الأغلب لن أظل هنا ، لكن هذه اللحظة ستبقى دائمًا هناك .. كلما شعرتِ بالخوف أو الحزن أو اليأس ، أنظري للسماء .. و اعلمي إنّا نحن من صنع كل هذه النجوم .. إن حبنا هذا هو ما يزين السماء و يضيء الكون .. و إنّا سنبقى للأبد ..