قبل عدد كبير جدًا من السنين ، و في صالة المغادرة في مطار ما .. أذكر
تمامًا و بصورة واضحة كلوحة أنظر لها الآن منظر الزوجين ذوي الملامح الشرق
أوروبية .. الزوج جالس على الأرض و ظهره متكئ على الحائط .. و زوجته ترقد
بجانبه ، رأسها في حجره و يدها تمسك بيده ، و هي تغط في نوم عميق ..
الإرهاق و التعب باديان عليهما .. ملابسهما قديمة و مجعدة .. ذقن الزوج
نامية و مشعثة .. و حولهما تتناثر أمتعتهما البسيطة في بضعة أكياس ..
المنظر بصورة عامة يوحي بالبؤس .. لكن نظرة سريعة لتعابير وجهيهما و ستعرف
كم كنت مخطئًا .. حتى و أنا طفل استطعت أن أفهم تمامًا .. السلام التام
المرتسم على وجهها و هي تنام على أرض الصالة الباردة محاطة بالغرباء و
نداءات المغادرة و الوصول و الهمهة المنتظمة التي تميز الأماكن المزدحمة ..
ذلك السلام الذي تجد تفسيره في نظرة الزوج و هو يمسك بيدها و يتأمل وجهها
المستلقي على حجره و تلك الإبتسامة الخفيفة تعلو شفتيه .. عيناه المتعبتان
المرهقتان تنطقان بتعبير لا يوصف .. لكنك فقط تعلم يقينًا إنه لن يسمح بأن
يحدث لها شيء أبدًا .. و إنه رغم الأرضية الباردة و الملابس المجعدة و
الضوضاء و رائحة التبغ فهما سعيدان .. حقًا سعيدان ..
♡
ردحذف