الجمعة، 13 أكتوبر 2017

تمهيد .. محمود المسعدي

    الآن و قد انتهيت و طرحت بهذه الصحائف الضعيفة الناحلة إليك - أنظر فلا أرى غير العدم ..
    ستذهب هذه الصحائف فتمضي و تمحي. فهي أنفاسي قد ذهبت و لها ريح ما يبلى و يأكله الدود. كجميع الذين كتبوا من قبل، يظنون أنهم خُلّدوا و أماتوا الموت. و ما خلدوا. و إنما هي آلام الإنسان يترامى صداها من قرن إلى قرن و من جيل إلى جيل، كما يتردد صدى الرعد بين الجبال، فلا يكون للرعد حياة أو ترن الصخور. و ليس لكل رعد صخور تردده. فقد ينفلق بقاع صفصف فلا يصيب من الدوام إلا طرفة العين.
و إن هذا الكتاب لكالصوت أو كالصيحة في واد به حاجة إلى ما يردد صداه و يُسري فيه خلجة الحياة. فقد كتبت أكثره في الليل جعلته دعائي للصباح، و استوفيته و لما يتنفس الفجر.
    و ليس لطالب أن يطلب فيه جديدًا من المعاني طريفًا، لأنه لا يكون عندي أطرف مما ينشأ في نفس القارئ عند مطالعته من الأفكار و المشاعر. فلتدخل إليه إذن أيها القارئ بأمرك الباطن و لتنشره عليه، و إلا فلتعرض عنه و لتدعه إلى غبار المكاتب و النسيان. هو دعوة إلى إحياء نارك. فإن لم يحيها من رماد، فقد مات و بطل همك منه.
   و إن كان لا بد له من جدة و طرافة لتقبل عليه، فاعلم أنه ليس في نظري أطرف من جدة القديم: كنفسك و أحلامك و أساك و حيرتك. و لعل أجد ما فيه بعد قصتك الباطنة، روح أبي هريرة، لأنها تنتسب إلى أقدم الأقدمين و تود أن تنتسب إليك. و لعله ليس شأن الكاتب الجدة و الطرافة .. و إنما هو أن يفترق على يده الجوهر عن العرض العارض.
    و قد يحتاج أبو هريرة عندك إلى التعريف و لست بمعرفه لك. و إنما لك من شأنه ما قد يقع بنفسك عند انتهائك من هذا الكتاب. و لتذكر بيت أبي العتاهية:
    و أي امرئ في غاية ليس نفسه
                                       إلى غاية أخرى سواها تطلع
    و قول "هولدرلاين": "أتعلم على م حزنك ؟ إنه ليس على شيء مفقود فقدته من زمن معين يمكنك أن تقول متى كان عندك و متى ذهب. إنما هو على شيء لا يزال حيًا قائمًا فيك. هو عهد أسمى من عهدك الحاضر تطلبه، هو عالم أجمل من عالمك هذا .."
    و لتذكر نذر "سفر التكوين": "لا تأكل من الشجرة الحرام. فإنك إن فعلت لذائق الموت".
    و شأن "نيتشه" يقول : "إذا ذهب صدقي فقد عميت. فإذا أردت المعرفة فقد أردت الصدق، أعني الشدة و التضييق على نفسي و القساوة لا تلين".

    إذا قرأت هذا الكتاب فله عليك - في مسيرتك إليك - أن تكون قاسيًا غير رحيم. 

                                
                              محمود المسعدي - تمهيد كتاب "حدّث أبو هريرة قال ..." 

الأحد، 17 سبتمبر 2017

إلى عيسى .. يجده بخير .. في مكان ما ..



كيف الحال و الأحوال في هذه الفترة الطويلة التي لم نركم فيها .. نحن بخير و لاتنقصنا سوى رؤياكم الغالية .. لو تجاوزنا عن بعض الأحداث السطحية عديمة الأهمية، فكل شيء كما تركته تقريبًا .. استيقظت فجأة قبل يومين في الثانية صباحًا -و هو أمر معتاد بالطبع .. و لم أستطع النوم مرة أخرى - و هو أمر أكثر اعتيادًا .. لكن قلبي كان أجوفًا و روحي متخمة بشعور ثقيل كهواء البحر .. و خطر لي فجأة، و دون سبب واضح، أن علي أن أكتب لك شيئًا ما .. تبدو المدونة مكانًا جيدًا .. بعيدًا و باردًا .. لن يقرأ هذا الكلام أحد في الغالب .. و هو ما أجده مناسبًا .. أعلم بالطبع أنك ستجد الأمر برمته مثيرًا للسخرية .. لكنك تعلم أيضًا أني لا اهتم لرأيك كثيرًا كما أخبرتك مرارًا .. كنا نخوض معركة شرسة في طرف الكلية بسبب مباراة كرة قدم بلهاء كالعادة .. فجأة رأيتك تتقدم من بعيد .. ترمق المتعاركين باستغراب .. ثم تخلع قميصك بهدوء .. تضعه على البينش بعناية .. ثم تقفز وسط المعركة و تبدأ في توجيه اللكمات دون أن تسأل حتى عن السبب .. في الحقيقة لا أظن أنك تعلم ما حدث حتى الآن .. تبدو القصص من هذا النوع مختلقة دائمًا .. لكني أظنها تلخيصًا دقيقًا لحياتك .. سأخوض معك المعركة أولًا ثم أسأل عن السبب .. أو لا أسأل أصلًا .. يمكنني الإستمرار في الكتابة .. لكن في الحقيقة كل ما أقوله هنا لا معنى له كما تعلم .. على كل حال اكتشفت صباحًا أن تلك الليلة توافق تاريخ رحيلك .. تبدو هذه أيضًا قصة مختلقة و مثيرة للسخرية .. يبدو أن الطبيعة تحاكي الفنان فعلًا، و تسخر منه .. أظن أن الشيء الوحيد الممكن، بعد كل هذه الأسطر .. هو أن أعترف أني حزين حقًا، و أفتقدك بشدة ..