الجمعة، 20 فبراير 2015

توأم

يقف أمام المرآة يرنو إلى صورته وابتسامة خافتة تزين شفتيه .. بدا لي وكأنما يبتسم لكائن خفي ما أبعد من ذلك الإنعكاس .. أعمق من تلك الصورة الضوئية المهتزة قليلًا .. ثم خيل لي لوهلة أن ابتسامة الصورة ليست مطابقة تمامًا لابتسامته .. لا يمكنني القول إنه كان يبتسم لنفسه .. كلا ، هنالك شيء ما خلف المرآة ، أبعد من قدرات الحواس السطحية البلهاء وأخف من الضوء ..
لاحظت مرافقته ذات الشعر الأشيب والملامح المجعدة نظراتي، فقالت  بحزن وكأنها تعتذر : منذ توفي توأمه وهما في السابعة وهو على هذه الحال ، لا يكف عن التحديق إلى المرآة ..
شعرت بالحرج من تحديقي ومن صراحتها .. فغمغمت : إبنك؟ ردّت : أخي الأصغر .. قال الطبيب إنه مصاب بشيء ما في عقله لا يمكن علاجه، ووصف لنا بعض الأقراص ..

عاد الصمت ليغلفنا بعدها .. لا أدري لم قفز إلى ذهني لحظتها زوربا ولا أحد غيره .. تخيلته جالسًا على الكرسي المقابل يستمع في نفاد صبر ، ثم ينتفض مع ذكر الأطباء ويصرخ : فليذهب الأطباء بأسمائهم اللاتينية الحمقاء إلى الجحيم! إنه حزين يا سيدتي .. حزين وخائف .. مثلنا جميعًا في الحقيقة ..كلنا خائفون وتعساء .. وجميعنا نفعل الشيء نفسه؛ نهرب .. أنت يا سيدتي تحملين تلك الإبرة اللعينة وتحيكين، وأنت تقرأ كتابًا .. لماذا تقرأ !؟ أنا أعلم وأنت تعلم أنك خائف .. خائف وحزين .. لهذا تقرأ كي تهرب .. أنا أشرب النبيذ وأضاجع وأرقص .. وهو يقف أمام المرآة .. ليس مختلفًا .. إنه مثلنا جميعًا .. يبحث في تلك الصورة المبتسمة وخلفها عن عزاء ما ..
ابتسمت .. وقلت للعجوز الطيبة ذات الوجه المتعب: إنه مثلنا جميعًا .. يبحث في صورته المبتسمة عن عزاء ما .. عن تلك الروح الشفافة الخفية التي تهمس لنا ليلًا وتنساب في قلوبنا فنصبح أخفّ من الهواء .. وأخفّ من اللا شيء .. عن النجوم المضيئة التي ترقبنا ونرقبها .. عن الصوت المهيب الذي يتردد في أعماقنا فنعلم أن هذا ليس بعبث ..
مدّت يدها المغضنة وربتت على يدي ..

هناك تعليق واحد: