لسبب ما و عكس غالبية البشر فلحظات الشروق تشعرني بحزن غريب .. لا أذكر
متى انتبهت للأمر أول مرة ، لكن بدا لي و أنا أقف أمام النافذة صباح اليوم
أن هذا الشعور كان دومًا هناك .. شيء ما في انسحاب الظلام و ضوء الشمس
الباهت المقشعر و أصوات الطيور و ضوضاء البشر التي تبدأ على استحياء ثم
تتشجع و تعلو يبعث كآبة غير عادية في نفسي .. أظن أن الأمر يرتبط بسؤال
المعنى و شعور اللاجدوى الذي يصاحبني منذ طفولتي .. العصفور الذي سقط من
عشه و أنقذته من هجوم القطط التي تملأ فناء المنزل كان تجربتي الأولى
مع الموت .. أحمله في يدي و أحاول إطعامه بعض الرغيف المبلل بالماء و هو
ينتفض و يرفض الأكل ، أحس بدقات قلبه بوضوح ، ثم فجأة توقف عن الإهتزاز و
سكن تمامًا ، لم أفهم ما حدث في البداية ، ما زلت أحاول دفع الطعام بين
منقاريه الصغيرين المفتوحين ، ثم صدمتني الحقيقة القاسية ، فراغ تكون في
قلبي و لن يمتلئ ..
لا زلت أذكر منظر سكين المطبخ المغري في ذلك اليوم الحار و أنا وحدي بالمنزل و قد انقطعت الكهرباء كالعادة في تلك الأيام .. كنت قد انهيت لتوي قراءة كتاب الروح لابن القيم الذي سرقته بالطبع من مكتبة والدي رغم تحذيراته الصارمة .. طعنة واحدة و أعرف الحقيقة و يرتوي فضولي ، و لن تكون مشكلة كبيرة على كل حال فالأمر مجرد عبور لعالم آخر .. لا أظن أني كنت أنوي الإنتحار فعلًا ، و ليس بسكين المطبخ بالذات ، فالرعب مما يمكن أن تفعله بي أمي إذا عبثت بالسكين كان أكبر من خوفي من الموت أصلًا .. لكن الشعور بمدى هشاشة الحياة و سهولة انتهائها كان غريبًا حقًا ..
هناك سؤال قديم في الفلسفة عن الشجرة التي تسقط في غابة بعيدة حيث لا أحد ليسمع صوت سقوطها .. هل تصدر صوتًا ؟.. بيركلي أبو المثالية يقول إن الشجرة التي لا يراها أو يسمع صوتها أحد لا وجود لها ، الأشياء توجد لأننا نعيها ، لن يوجد كون إذا اختفى البشر فنحن من نضفي المعنى على الوجود ، المشكلة أننا نطالب بمعنى لوجودنا أيضًا .. كل العالم يعرف أرشيدوق النمسا فيرديناند الذي نشبت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتياله ، شجرة عظيمة هوت و سمع الجميع صوتها .. أما التسعة ملايين الذين ماتوا في هذه الحرب فهم مجرد أرقام .. و هو لم يختر أن يكون أرشيدوقًا و لم يختر الموتى أن يكونوا أرقامًا في كتب التاريخ .. و العصفور الذي مات في يدي لم يختر أن يكون عصفورًا .. على كل حال لا أظن انهم يهتمون الآن كثيرًا ..
جالت هذه الأفكار بذهني و أنا أتأمل الشوارع الغريبة التي فشلت في حفظ أسمائها و اتجاهاتها حتى الآن ، و أتساءل من أنا حقًا و هل كل ما حدث حدث فعلًا .. كل ما أعرفه إني أشعر بالحنين لشيء ما غامض و أخاف منه .. راودتني رغبة قوية في إغلاق هاتفي و العودة للفراش و التكور تحت الغطاء طيلة اليوم كما كنت أفعل كثيرًا ، و احيانًا لعدة أسابيع في نوبات اكتئابي و انعزالي المتكررة .. لكن هذا ليس فراشي ، حقيبتي التي لم أجد الشجاعة لإفراغها بعد ترقد على الأرض و تقولها بوضوح ، فراشي هناك على بعد آلاف الكيلومترات .. لذا سأستحم ، أشرب كوبًا من العصير ، ثم أذهب للعمل مدعيًا أن ما أقوم به ليس هباءً .. اللهم خالق هذا الكون السرمدي ، ضع غلالة النسيان على أرواحنا و امنحنا القدرة على أن نستمر ..
لا زلت أذكر منظر سكين المطبخ المغري في ذلك اليوم الحار و أنا وحدي بالمنزل و قد انقطعت الكهرباء كالعادة في تلك الأيام .. كنت قد انهيت لتوي قراءة كتاب الروح لابن القيم الذي سرقته بالطبع من مكتبة والدي رغم تحذيراته الصارمة .. طعنة واحدة و أعرف الحقيقة و يرتوي فضولي ، و لن تكون مشكلة كبيرة على كل حال فالأمر مجرد عبور لعالم آخر .. لا أظن أني كنت أنوي الإنتحار فعلًا ، و ليس بسكين المطبخ بالذات ، فالرعب مما يمكن أن تفعله بي أمي إذا عبثت بالسكين كان أكبر من خوفي من الموت أصلًا .. لكن الشعور بمدى هشاشة الحياة و سهولة انتهائها كان غريبًا حقًا ..
هناك سؤال قديم في الفلسفة عن الشجرة التي تسقط في غابة بعيدة حيث لا أحد ليسمع صوت سقوطها .. هل تصدر صوتًا ؟.. بيركلي أبو المثالية يقول إن الشجرة التي لا يراها أو يسمع صوتها أحد لا وجود لها ، الأشياء توجد لأننا نعيها ، لن يوجد كون إذا اختفى البشر فنحن من نضفي المعنى على الوجود ، المشكلة أننا نطالب بمعنى لوجودنا أيضًا .. كل العالم يعرف أرشيدوق النمسا فيرديناند الذي نشبت الحرب العالمية الأولى بسبب اغتياله ، شجرة عظيمة هوت و سمع الجميع صوتها .. أما التسعة ملايين الذين ماتوا في هذه الحرب فهم مجرد أرقام .. و هو لم يختر أن يكون أرشيدوقًا و لم يختر الموتى أن يكونوا أرقامًا في كتب التاريخ .. و العصفور الذي مات في يدي لم يختر أن يكون عصفورًا .. على كل حال لا أظن انهم يهتمون الآن كثيرًا ..
جالت هذه الأفكار بذهني و أنا أتأمل الشوارع الغريبة التي فشلت في حفظ أسمائها و اتجاهاتها حتى الآن ، و أتساءل من أنا حقًا و هل كل ما حدث حدث فعلًا .. كل ما أعرفه إني أشعر بالحنين لشيء ما غامض و أخاف منه .. راودتني رغبة قوية في إغلاق هاتفي و العودة للفراش و التكور تحت الغطاء طيلة اليوم كما كنت أفعل كثيرًا ، و احيانًا لعدة أسابيع في نوبات اكتئابي و انعزالي المتكررة .. لكن هذا ليس فراشي ، حقيبتي التي لم أجد الشجاعة لإفراغها بعد ترقد على الأرض و تقولها بوضوح ، فراشي هناك على بعد آلاف الكيلومترات .. لذا سأستحم ، أشرب كوبًا من العصير ، ثم أذهب للعمل مدعيًا أن ما أقوم به ليس هباءً .. اللهم خالق هذا الكون السرمدي ، ضع غلالة النسيان على أرواحنا و امنحنا القدرة على أن نستمر ..
"من انا حقا؟!"
ردحذف